قوله جلّ ذكره: {وَمَآ أَدْرِى مَا يُفْعَلُ بِى وَلاَ بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَىِّ وَمَآ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ}.وهذا قبل أن نزل قوله تعالى: {لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تأَخَّرَ} [الفتح: 2].وفي الآية دليلٌ على فساد قول أهل القَدَرِ والبدِعِ حيث قالوا: إيلامُ البريء قبيحٌ في العقل. لأنه لو لم يَجُزْ ذلك لكان يقول: أَعْلَمُ- قطعاً- أني رسول الله، وأني معصومٌ , فلا محالةَ يغفر لي، ولكنه قال: وما أدري ما يُفْعَلُ بي ولا بكم؛ لِيُعْلَمَ أن الأمرَ أمرُه، والحكمَ حكمُه، وله أن يفعلَ بعباده ما يريد.قوله جلّ ذكره: {قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِى إِسْرَاءِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَئَامَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}.تبيَّنَ له أنه لا عُذْرَ لهم بحال، ولا أمانَ لهم من عقوبةِ الله. وما يستروحون إليه من حُجَجِهم عند انفسهم كلُّها- في التحقيق- باطلٌ. واخبر ان الكفار قالوا: لو كان هذا الذي يقوله من الحشر والنشر حقًّ لم تتقاصر رتبتُنا عند الله عن رتبة أحدٍ، ولتَقَدَّمنا- في الاستحقاق- على الكُلِّ. ولمَّا لم يجدوا لهذا القول دليلاً صرَّحوا: {فَسَيَقُولُونَ هَذَآ إِفْكٌ قَدِيمٌ}.ولقد بَعَثَ اللَّهُ أنبياءَه- عليهم السلام- وأنزل عليهم الكتب، وبيَّنَ في كلِّ كتابٍ، وعل لسانِ كلَِّ رسولٍ بأنه يبعث محمداً رسولاً، ولكن القومَ الذين في عصر نبيِّنا- صلى الله عليه وسلم- كتموه، وحسدوه.